في ظلّ التحولات السريعة والمستمرة التي يشهدها العالم، أصبح الامتثال لمعايير إدارة استمرارية الأعمال أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى الحكومات والمؤسسات إلى تحقيقها لضمان الاستقرار والتنمية المستدامة. وتسهم إدارة استمرارية الأعمال في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني، بما في ذلك تقديم الخدمات الحكومية الأساسية في أثناء الظروف الصعبة، عن طريق إظهار قدرة الدولة على التحكم والتكيُّف مع المخاطر. وهنا تأتي أهمية إدارة استمرارية الأعمال التي تُمكّن المؤسسات من حماية أصولها ومواردها، وتعزيز قدرتها على استمرار تقديم خدماتها إلى العملاء، ما يحافظ على سمعتها في السوق، ويضمن امتثالها للقوانين واللوائح المحلية والدولية.
تطوَّر مفهوم إدارة استمرارية الأعمال (Business Continuity Management - BCM) بمرور الزمن نتيجة للتغيرات في البيئة الأعمالية، وزيادة التحديات والمخاطر التي تواجه المؤسسات. وبدأ الاهتمام بإدارة استمرارية الأعمال يتزايد في العقود الأخيرة نتيجة للأحداث التي تضرب العالم، مثل الكوارث الطبيعية، والأحداث الاقتصادية، والهجمات الإلكترونية، وتطوَّرت أيضاً الممارسات والمفاهيم المتعلقة بإدارة استمرارية الأعمال، وشملت كثيراً من الجوانب، مثل التخطيط للكوارث، واستراتيجيات الاستجابة للأزمات، وضمان استمرار العمليات الحيوية.
وتُعد إدارة استمرارية الأعمال اليوم جزءاً أساسيّاً من استراتيجيات الأعمال للشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، وتهدف إلى الحفاظ على الاستدامة والاستقرار في مواجهة التحديات والأزمات المختلفة. وتُظهِر تقارير بنكية أن الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وتدريب الموظفين، يُعدّان استثماراً حيويّاً في تحقيق استمرارية الأعمال. وبالرغم من أن تحقيق الامتثال لمعايير إدارة استمرارية الأعمال يمكن أن يكون مكلفاً نوعاً ما، فإن تكلفة عدم الاستعداد أعلى كثيراً. ويجدُر بالذكر هنا أن تقريراً للبنك الدولي كشف عن خسائر بلغت 390 مليار دولار في عام 2021 بسبب الإدارة غير الفعَّالة للأزمات.
وتُمثّل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في تطبيق إدارة استمرارية الأعمال، إذ يُظهِر تقرير البنك الدولي لعام 2022 أن الدولة تقدَّمت 10 مراكز في مؤشر القدرة على التكيُّف مع الأزمات. ويُنفذ القطاع الحكومي وقطاع الأعمال في دولة الإمارات أفضل الممارسات لضمان استمرارية الخدمات الحيوية وفقاً للمعايير العالمية. وقد استعرضت دولة الإمارات قدراتها على إدارة الأزمات بنجاح خلال جائحة «كوفيد-19»، فعلى سبيل المثال كان تطبيق إدارة استمرارية الأعمال في المدارس وجهات العمل أثناء الجائحة دليلاً قاطعاً على فاعليَّة الإجراءات المتبعة، وتمكَّن النظام التعليمي من الانتقال السلِس إلى التعليم عن بُعد، والحفاظ على جودة التعليم وسلامة الطلاب في آنٍ معاً، وأفادت إحصائيات وزارة التربية والتعليم أن نسبة التفاعل الطلابي عبر الإنترنت بلغت نحو 85 في المئة. وأمَّا جهات العمل، فتبنَّت حلول العمل عن بُعد وطبَّقتها بنجاح، واستخدمت تقنيات متقدمة لضمان أمان البيانات وفاعلية العمليات، ما يُظهر التزام دولة الإمارات بالاستدامة والقدرة على التنفيذ الفعّال لاستراتيجيات التحكم في الأزمات.
وبفضل هذا التفاني شهِدت دولة الإمارات العربية المتحدة نموّاً سنويّاً بنسبة 5 في المئة في مجال الاستدامة وفقاً لتقرير الاستدامة الوطني 2022. وتعكس هذه الخطوات التوافق الاستراتيجي العملياتي في الدولة، مع تكامل القطاعين الحكومي والخاص على نحوٍ متناغم لتعزيز الثقة والتنمية المستدامة.
وفي الختام يمكن القول إن إدارة استمرارية الأعمال ليست وسيلة للحفاظ على الأرباح فحسب، بل هي آلية مهمَّة أيضاً للحفاظ على استدامة الأعمال ومرونتها في مواجهة الأزمات المحتمَلة، ولذا يُعدّ التحضير والاستعداد للأزمات من الاستراتيجيات الأساسية التي يجب على كل جهة حكومية أو مؤسسة الانتباه لها. وإن تخصيص الوقت والجهد لتطوير استراتيجيات إدارة استمرارية الأعمال استثمار ضروري لضمان الاستدامة والنجاح في عالم يمتلئ بالتحديات والمفاجآت، ومؤشر إيجابي إلى بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
*مدير عام مركز إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث لإمارة أبوظبي بالإنابة